سلسلة قول الأثبات في مسائل الصفات 18

اسقاطات على القول بالظاهر – ثالثا الجنب -.

 اعلم رحمك الله أن الحشوية يثبتون الجنب على ظاهره، وهم فيما ذهبوا إليه مستدلون بقول الله تعالى:  {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَـحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنْتُ لَمِنَ السَّـخِرِينَ}، وقد قدمنا سابقا أن نسبة الأجزاء والأبعاض إلى الذات لا تحيل الأعيان إلى أوصاف، وإن أطلق وصف الذات من الأجزاء والأبعاض فالوصفية تعلقت بالنسبة لا بعين الجزء والبعض، وبه يخرج قول بعض السلف الذين وسموها بالصفات، وإطلاق الوصفية على عين النسبة أسلوب عربي فصيح، فقد جاء في الحديث: (…، قلت يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا،..)، فنسب إليهم أنهم من جلدتنا، وأنهم يتكلمون بألسنتنا، وهو وصف لهم، وقال الشاعر:

عجبت عزة من وصفي لها***وهل يصف النساء مكفوف البصر

فاعتبار الوصفية في عين الجنب مخالف للسان العربي، بل هو مخالف لكل لسان للاستحالة العقلية في جواز نسبة الذات إلى الذات بلا تأويل أو إضمار كما قدمنا سابقا.

ثم إن المعاني التي وردت في معنى الجنب منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو خفي قد يظهر على الظاهر بقرائن لفظية أو معنوية تجعله المقصود بالوضع، وقد حصر المعجميون المعاني في:

–    قال ابن منظور في اللسان: (الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وغيره. تقول: قعَدْتُ إِلى جَنْب فلان، وإِلى جانِبه، بمعنى، والجمع جُنُوبٌ وجَوانِبُ وجَنائبُ).

أقول: وقد تستعمل على غير الحقيقة فتستعمل بمعنى القرب، ومنه قوله تعالى: { على ما فرطت في جنب الله}، قال ابن منظور: (وفي التنزيل العزيز: {أَنْ تقولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللّهِ}. قال الفرَّاءُ: الجَنْبُ: القُرْبُ، وقوله: على ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللّهِ أَي في قُرْبِ اللّهِ وجِوارِه).

أقول: وقد يستعمل الجنب بمعنى معظم الشيء، قال ابن منظور: والجَنْبُ مُعْظَمُ الشيءِ وأَكثرهُ، ومنه قولهم: هذا قَليل في جَنْبِ مَوَدّتِكَ).

قلت: قال الزجاج الجنب في الآية بمعنى الطريق ومعنى الآية يا حسرتاه على ما فرطت في الطريق المؤدي إلى الله، وهو راجع إلى معنى القرب الذي قال بع الفراء وابن الأعرابي.

–    قال الفيروزبادي في القاموس: (لجَنْبُ والجانِبُ والجَنَبَةُ، مُحَرَّكَةً: شِقُّ الإِنْسانِ وغيرِهِ، ج: جُنُوبٌ وجوانِبُ وجَنَائِبُ، وجُنِبَ، كَعُنِيَ: شَكا جَنْبَهُ، ورَجُلٌ جَنِيبٌ: كأنَّهُ يَمْشي في جانبٍ مُتَعَقِّباً، وجانَبَهُ مُجانَبَةً وجِنَاباً: صارَ إلى جَنْبِهِ، وباعَدَهُ، ضِدٌّ، واتَّقِ اللَّهَ في جَنْبِهِ، ولا تَقْدَحْ في ساقِهِ: لا تَقْتُلْهُ، ولا تَفْتِنْهُ، وقد فُسِّرَ الجَنْبُ بالوقِيعَةِ والشَّتْم، وجارُ الجَنْب: اللازِقُ بِكَ إلى جَنْبِكَ، والصاحِبُ بالجَنْبِ: صاحِبُكَ في السَّفَرِ).

–    قال الجوهري في الصحاح: (لجَنْبُ معروفٌ. تقول: قعدت إلى جنْب فلان وإلى جانب فلان بمعنىً، والجَنْبُ الناحية).

أقول: إن الجنب يطلق حقيقة على شق الإنسان وغيره، وقد يطلق مجازا على القرب، والطريق المؤدي، وعلى معظم الشيء، وعلى عالة في الجنب، وعلى الناحية.

أقول: فأي معنى يراد من هذه المعاني التي حصرت من كلام المعجميين سواء الظاهر منها (الحقيقة) والخفية (المجاز) هو الظاهر الذي تريدون، فإن قلتم: الحقيقة، قلنا: هذا قول بالجارحة وقد نقلتم الإجماع على حظر القول بها، وإن قلتم: المعاني الأخرى، قلنا: هذا تأويل وهو صرف اللفظ عن ظاهره لقرئنة لفظية أو معنوية، وإن قلتم: لا هذا ولا هذا وعلمها عند الله، قلنا: هذا تفويض وهو مذهبنا ونحاججكم من أجله.

فأي كلام بعد هذا الكلام، وأي تفصيل بعد هذا التفصيل، الله يهدي المسلمين إلى خير الهدى وأقوم سبيل.

Comments are closed.