فقه النحو – الدرس الأول

المخطط العام لتدريس علم النحو ( دراسة مجملة لعلم النحو )

–      الكلام بحسب إفادته إما أن يقبل التصديق والتكذيب ويسمى خبرا، أو أن يقبل الجور والعدل ويسمى طلبا، وهذان العارضان لا يتعلقان بكلام العرب دون غيره من الكلام، بل هما شائعان في كل لسان، لأن القسمة قسمة عقلية سبرا وتقسيما، ودلّ عليه العرف أيضا، ومنه قول الله تعالى: { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا } [1]

fiqh_nahw1_001

–      ولا يكون الخبر خبرا بالبداهة  إلا إذا تمت أركانه الثلاثة  ( مخبر به، ومخبر عنه، والإخبار )، كما لا يكون الطلب طلبا إلا إذا تمت أركانه الثلاثة ( مطلوب به، ومطلوب منه، والطلب ).

fiqh_nahw1_002

–      والنسبة التي تجمع المخبر به بالمخبر عنه، والتي تجمع المطلوب به بالمطلوب منه تسمى إسنادا، لهذا قال ابن مالك في شرح التسهيل: والإسناد تعليق خبر بمخبر عنه أو طلب بمطلوب منه.

fiqh_nahw1_003

–      والأصل في المخبر به والمطلوب به أن يكون حدثا، والمخبر عنه والمطلوب منه أن يكون ذاتا، وهذه المسألة من البديهيات العقلية التي دلّ عليها العرف أيضا فلم تختص بلسان العرب دون غيره [2].

fiqh_nahw1_004

–  وعلى غير أصل يجوز الإخبار عن الحدث إذا أريد لفظه دون معناه [3]، أو أخبر عنه بمخبر به على سبيل الكينونة ، فالأول كقولنا : ( ضربَ فعلٌ ماضٍ ) ، ومثله في حكمه ( في حرفُ جرٍّ ) ، والثاني كقول الله تعالى : { الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ }.

fiqh_nahw1_005

كما يجوز الإخبار بالذات عن الذات، ولكن بتأويل أو بتقدير، وهو فرع عن أصل أيضا، فالأول كقولنا: ( فلان يدّ )، أي شديد العطاء [4]، والثاني كقولنا: ( فلان أسد )، أي كالأسد على حذف أداة التشبيه، أو متصف بصفة الأسدية فيكون من النوع الأول في هذا الباب.

fiqh_nahw1_006

وما يصلح الإخبار عنه يكون كلمة مفردة، كـ: ( زيدٌ قائم ) و ( قام زيدٌ ) و( ضرب فعل ماض )، ومركبة تركيبا إضافيا كـ: ( عبدُ الله قائم ) و ( قام عبدُ الله )، ومركبة تركيبا مزجيا كـ: ( حضرموت مدينة يمنية ) و ( تزينتْ حضر موت بأهلها )، ومركبة تركيبا إسناديا كـ: ( تأبط شرا خالُ الشنفرة ) و ( دخل تأبط شرا )، وجملة كـ: ( لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة ) و ( ترفع لا حول ولا قوة إلا بالله صاحبَها يوم القيامة )، وكلاما طويلا كأن أقرأ المصحف كاملا وأقول: ( كلامُ الله )، فتكون قراءتي للمصحف مبتدأً لخبر هو ( كلامُ الله )، و( تطرد { ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } إلى قوله تعالى: { فانصرنا على القوم الكافرين } الشياطين من البيت الذي قرأت فيه )، وبتأويل لقول الله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم }.

fiqh_nahw1_007

–      وقد يكون المخبر عنه هو من قام بالخبر، أو قام به الخبر، أو وقع عليه الخبر، وقد يتقدم المخبر عنه المخبر به، وقد يتقدم المخبر به المخبر عنه.

فالمخبر عنه إذا تقدم المخبر به يكون ( مبتدأً ) بمنطوق أو بتقدير أو على الحكاية فالأول كـ (زيد قائم )، والثاني {وأن تصوموا خير لكم }، والثالث ( لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة ).

وإذا تقدم المخبرُ به المخبرَ عنه، يكون المخبرُ عنه ( فاعلاً ) إذا كان المخبر عنه هو من قام بالمخبر به أو قام به المخبر به، فالأول كـ (قام زيد)، والثاني كـ (مات زيد)، ويكون ( نائبا للفاعل ) إذا وقع عليه الخبر كـ (ضُربَ زيدٌ)، و( فاعلا سدّ ما سدّ الخبر ) إذا سبق بوصف أشرب نفيا أو استفهاما فغلبت عليه الفعلية ك( أقائم زيد ) و( ما قائم زيد ).

fiqh_nahw1_008

–      والمخبر به يكون (فعلا) إذا اقترن الحدث بزمن، وتقدم المخبر به على المخبر عنه، وجملة إما فعلية إذا تأخر المخبر به عن المخبر عنه بلا تفصيل عند البصريين دون الكوفيين، وقد يكون الخبر جملة اسمية، أو شبه جملة، وقد يكون المخبر به غير مقترن بزمن وهو بالاستقراء اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو أفعل تفضيل.

fiqh_nahw1_009

 وهذا الكلام كله متعلق بعمد الإسناد، والعمد تطلق ويراد بها ما يؤسس الكلام ولا يتمم معناه، وأما ما يتمم المعنى ولا يؤسسه فيعرف بالفضلة.

fiqh_nahw1_010

الحكم النحوي للعمد:

–      تعرب العمد ظاهرةً ومقدرةً، ذلك لأن العمد تؤسس الكلام خلافا للفضلة كما سيأتي بيانه [5].

–      والعمد التي لها حكم الرفع هي الفاعل ونائب الفاعل والفاعل الذي يسد ما سد الخبر والخبر والفعل المعرب.

–      وقد ينسخ حكم الرفع بناسخ لفظي، فيكون العامل في العمد هو وضع الكلمة في الكلام ( العامل المعنوي ).

fiqh_nahw1_011

–      والنواسخُ في العمد يأتى بها لزيادة المعنى، أو تخصيص إطلاقه، أو تغيير ما وضع له حال كونه مجردا كما أشرنا في الجدول السابق.

–      أما الناسخ اللفظي الذي يأتي لزيادة المعنى فيكون بكان وأخواتها، وإن وأخواتها، وكاد وأخواتها، وظن وأخواتها، وأعلم وأخواتها.

–      والذي يخصص المعنى بعد إطلاقه فالنواصب التي تدخل على الأفعال، ذلك لأن الفعل المعرب وهو الفعل المضارع يحتمل الحال والاستقبال، فإذا دخلت النواصب على المعرب من الأفعال تخلص الفعل للاستقبال دون الحال

–       والجوازم يأتى بها لنسخ الفعل المضارع من دلالته على الحال والاستقبال إلى الدلالة على المضي إن كان الفعل يراد به الإخبار ، وإن أريد به الطلب بعارض بـ ( لام الأمر ) أو بـ (لا الناهية )وهو في نفسه دال على الإخبار بالوضع فيأتى بقطع الحركة أو حرف إن كان معتل الأخير أو كان من الأفعال الخمسة ليفرق بينه وبين ما كان على أصله ، وإن صرف من عدم التعلق إلى التعلق بجملة أخرى على سبيل الشرطية فيجزم ليفرق بينه وبين ما كان مفيدا بنفسه غير متعلق بغيره .


[1] يوصف كلام الله بأحسن العارضين للربوبية المطلقة التي لازمت وجوب الوجود، فكل أمره عدل، وكل خبره صدق.

[2] اعتمد الإمام ابن مالك الأندلسي رحمه الله تعالى في كتابي التسهيل وسبك المنظوم وفك المختوم على الإسناد في تعريفاته كلها فقال في الاسم: كلمة يسند ما لمعناها إلى نفسها أو نظيرها، وفي الفعل: كلمة تسند أبدا قابلة لعلامة الفرعية المسند إليه، وفي الحرف: كلمة لا تقبل طرفي الإسناد، وعرف الإسناد: تعليق خبر بمخبر عنه أو طلب بمطلوب منه.

[3] ومعنى اعتبار اللفظ دون المعنى أي الاخبار عن دلالة اللفظ كقولنا: ضرب فعل ماض، أي لفظة ضرب يأتى بها للدلالة على الفعل الماضي، ومثله في حرف جرّ، أي لفظة في يأتى بها للدلالة على حرف الجرّ.

[4] وهو من باب المجاز أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له ابتداء .

[5] ذهب بعض النحاة إلى أن الفضلة تعرب ظاهرة ولا تعرب مقدرة ، وهذا خطأ ، لأن الفضلة إن دل عليها دليل وجب تقديرها وإعرابها لأن الإعراب يندرج تحت المعاني كما هو مستقر في نفوس النحويين .

Comments are closed.