سلسلة الدرة اللامعة في تجلية الأصول الجامعة المانعة 5

ملحق بمفهوم العلم‎

  • والطريق الموصل إلى العلم النظري التصديقي هو من نفيده من أحد أنواع المحاججة[1] والتي هي خمسة على وجه التفصيل، وثلاثة إجمالا:
  1. الحكم على جزئي بجزئي لعلة جامعة بينهما موجبة للحكم.
  2. الحكم على جزئي من كلي ناتج عن استقراء للجزئيات.
  3. الحكم على جزئي من كلي عقلي.
  4. الحكم على كلي من كلي عقلي.
  5. الحكم على كلي من كلي ناتج عن استقراء

فأما الأول فيسميه المناطقة بالتمثيل ويعرف عند المتشرعة بالقياس[2]، والثاني هو المعروف بالاستقراء[3] كما لا يخفى على من تلبس بالعلم، وهو قسمان تام[4] نسمه بالقطع في مفاده وناقص[5] موسوم بالظن في مفاده، والثالث ما يسميه المناطقة بالقياس المنطقي[6].

تنبيه هام جدا:

المحاججة لا تصح عقلا إلا بالاستناد على معلوم ندركه مسلّم به عندنا لنصل إلى مجهول نحاول أن نثبته، فلزم عقلا أن يكون عند المحاججِ مطلقًا قاعدةٌ معرفية يبني عليها المحاججة وإلا لزم التسلسل، والتسلسل محال، والمحال عقلا ممتنع عرفا، ولما كانت هذه القاعدة المعرفية تنقسم إلى ما هو مكتسب قبلا، ومنها ما نحن مفطورون عليه خلقا، انقسمت القواعد المعرفية المسلّم بها إلى قسمين باللزوم:

  • البديهيات[7]: وهي القاعدة المعرفية التي بثها الله فينا فطرة.
  • المسلّمات[8]: وهي القاعدة المعرفية التي اكتسبناها بالنظر وسلّم لها في النظر، ولا يلزم منها أن تكون صادقة، لظنية النظر الأول في نفسه.

ولزم منهما أن تكون النسبة بين البديهيات والمسلّمات عموما وخصوصا كليا، فالبديهي أخص مطلقا، والمسلّم أعمّ مطلقا، لأن كل بديهي مسلّم، وليس كل مسلّمٍ بديهيا.

مخطط بيان الفرق بين البديهيات والمسلّمات:

doura_05_01

[1] القسمة العقلية في المحاججة باعتبار الكلية والجزئية كمقدمات ونتائج:

قد علم عقلا أن نتائج القضايا تابعة لأخس المقدمات، فإن كانت المقدمة ظنية أو جزئية أو سالبة، سيكون الناتج لزوما ظنيا أو جزئيا أو سالبا.

[2] قال ابن أبي عاصم اللخمي في المرتقى :

وحدّه إثبــــات حكم استقر *** لغير ذي حكم بأمر معتبـــر

سمي وصفا جامعا ويدعى***ذو الحكم أصلا وسواه فرعا

[3]  قال ابن ابي عاصم اللخمي في المرتقى:

ونوع الاستقراء في التفسير *** تتبع للحكم في الأمـــــــــور

فيحصل الظن بأن الحكم قد *** عم من الأفراد كل ما وجد

وربما يبلغ فـــــي ذا الحكم *** مبلغ ان يفيد حــــــال العلم

كعلمنا في النحو أن الرفعا *** قد عمّ كل الفــــاعلين قطعا

ولا يزيـــــل القطع بالكلية *** تخلف إن كــــان من جزئية

[4]  وهو القطعي منه وشرطه أن تكون المادة المستقرأة محصورة، والناظر حاذق، وآلية الاستقراء صحيحة، وهو قليل.

[5] وهو ظني وهو كل استقراء لم تكن مادته محصورة، أو الناظر غير حاذق، أو الآلية غير صحيحة.

تنبيه: لا يلزم من دعوى القطعية كينونتها خارجا، لأن دعوى القطعية ظنية حتى تثبت القطعية، وسيأتي مبحث مفرد في الباب لشدة الحاجة إليه وكثرة اضطراب الناس فيه.

[6] القياس المنطقي هو الاستدلال، أي الانتقال من معلوم ندركه مسلّم به إلى مجهول نحاول أن نحصله، ولما كانت الانتقال  منه ما هو سليم صحيح، ومنه ما هو سقيم فاسد، انقسم القياس المنطقي إلى برهان وجدل وشعر وخطابة وفسفطة.

[7] ورد في المعجم الفلسفي: البديهية هي القضية الضرورية التي لا ‏يتوقف التصديق بها على نظر وكسب، وهي أصل اليقينيات.

تنبيه: ما افترعه صاحب المعجم الفلسفي عن كلية البديهي في كتابه غير مسلّم له فيه، وليس هذا موضع التفصيل، وقد أشرت لبيان عدم الإقرار.

[8] قال الأحمد نكري في دستور العلماء: المسلمات: هي قضايا تسلم من الخصم ويبني عليها ‏الكلام لدفعه سواء كانت مسلمة فيما بينهما خاصة أو بين أهل العلم كتسليم الفقهاء ‏مسائل أصول الفقه.

تنبيه: لا تلزم المسلمات حال المخاصمة بل كل مقدمة يتم التسليم بها وتكون في نفسها صالحة لأن يبنى عليها النظر تسمى مسلّمة.

Comments are closed.