سلسلة الدرة اللامعة في تجلية الأصول الجامعة المانعة 3

مقدمات لابد منها:

المقدمة الأولى: العلقة الجامعة بين الحكم العقلي والحكم العرفي والشرعي.

  • تحرير المواضيع (تصور الماهيات)، والطريق الموصل إليها:
  • في بيان ماهية العلم وكنهه، وطرق تحصيله[1]:

كما هو معلوم بداهة أن العلم ينقسم باعتبارات كثيرة، وسنعتبر نحن بعض الاعتبارات التي تعيننا على فهم كنهه الفهم الصحيح:

  • العلم ينقسم باعتبار كيفية تحصيله إلى:
  • علم نفتقر في تحصيله إلى نظر[2] وهو العلم النظري.
  • علم لا نفتقر في تحصيله إلى نظر وهو العلم الضروري.

مخطط قسمة العلم باعتبار نوع الإدراك:
doura_03_01

  • العلم ينقسم باعتبار نوع المحصَّل إلى:
  • ما يكون فيه المدرك ذاتا مفردة أو مركبة ، ومحله الذهن ويسمى التصور.
  • ما يكون فيه المدرك نسبة مفردة أو مركبة، ومحله الذهن ويسمى التصديق[3].

مخطط قسمة العلم باعتبار نوع المدرك:
doura_03_02

وقد أشار إلى هذا المعنى المختار ولد بونة الشنقيطي رحمه الله في نظمه المنطقي، فقال:

العلم بالمفرد جا تصـــــوّرا * والعلم بالنسبة تصديقا جرى

والثــانِ طبعـــا تـــــابع للأول *  والعلم إن يحتج إلى تأمــــــل

فالنظريِّ اجعله والضروري * بعكس هذا النظر المذكور

  • العلم ينقسم باعتبار الاعتبارين السابقين إلى:
  • نظري تصوري.
  • نظري تصديقي.
  • ضروري تصوري.
  • ضروري تصديقي.

مخطط قسمة  العلم بالاعتبارين السابقين:
doura_03_03

وينتج عن هذه القسمة أن التصور قد ندركه بالنظر والتأمل، أو بالضرورة، على الوجه التالي:

  • التصور: نفيده بالنظر أو الضرورة.
  • التصديق: نفيده بالنظر أو الضرورة.

مخطط قسمة العلم التصوري باعتبار نوع إدراكه:
doura_03_04
 

مخطط قسمة العلم التصديقي باعتبار نوع إدراكه:
doura_03_05

قلت: ولما كان المبحث متعلقا تعلقا كاملا بماهية النظر والضرورة لزم بيان ماهيتهما حتى نبني عليهما، ذلك لأن التصور هو الانتقال من المعلوم الذي نعرفه إلى مجهول نريد أن نعرفه:

  • رسم العلم الضروري: هو العلم العرضي الذي يلزمنا لزوما لا نستطيع أن ندفعه عن أنفسنا بشك أو شبهة، و يحصل بلا تأمل أو نظر.
  • رسم العلم النظري: هو العلم العرضي الذي لنا أن نشكك فيه ونشبه، ويحصل بالنظر والتأمل.[4]

تنبيه: قد ذهب المناطقة إلى تعريف العلم الضروري بلا فاصلة (العرضي) وهو خطأ، ولا تكون به القسمة صحيحة لالتباسه بالعلم الفطري، والعلم الفطري هو العلم الذاتي الذي خلقه الله فينا.

فتكون القسمة الصحيحة على هذا الذي سأفصله:

  • علم مكتسب نحصله، وهو العلم العرضي، وينقسم باعتبار قابلية التشكيك والتشبيه إلى:
  • ما يقبل التشكيك والتشبيه وهو النظري من العلوم.
  • ما لا يقبل التشكيك والتشبيه وهو الضروري من العلوم.
  • علم لا يقبل صفة الاكتساب، وهو علم بثه الله عز وجل فينا ليصلحنا. [5]

وهذا النوع الأخير من العلوم لنا أن نسميه بالعلم الفطري  كما هو مشتهر في لسان  المتشرعة، ولا مجال للتشبيه فيه أو التشكيك لزوما، فإن جعلنا مطلق العلم لا العلم الحصولي وحده منقسما باعتبار التشكيك والتشبيه للاتبس العلم الفطري بالضروري لزوما.

فإن تجلت هذه القسمة ستتجلى ماهيات أقسام العلم لزوما، وهي كالتالي:

  • علم عرضي لا وجه للتشكيك فيه أو التشبيه، وهو الضروري من العلوم.
  • علم عرضي لنا أن نشكك فيه أو نشبه، وهو النظري من العلوم.
  • علم ذاتي لا وجه للتشكيك فيه أو التشبيه، وهو العلم الفطري.
  • علم ذاتي لنا أن نشكك ونشبه فيه، وهذا ممتنع عقلا فلا وجود له خارجا.

[1]  سننتهج في بيان ماهية العلم نهج المناطقة بالسبر والتقسيم الصحيح حتى يكون تعريفنا دقيقا.

[2]  النظر في عرف اللغويين:

  • قال ابن منظور: النظر: حسّ العين، نظره ينظره نظرا ومنظَرا ومنظَرة ، ونظر إليه.

قلت: أما مادة (نظر) فتتعدى بنفسها لهذا قال رحمه الله: “نظره”، وتتعدى بغيرها كما في قوله: “نظر إليه”.

  • قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة العربية: النون والظاء والراء أصلٌ صحيح يرجع فروعُه إلى معنىً واحد وهو تأمُّلُ الشّيءِ ومعاينتُه.

قلت: أصل النظر إدارك المنظورات بآلة النظر التي هي العين، فهو إدراك مفرد يورث علما حسيا، أي أنه من العلم الضروري، وسيأتي بيانه تفصيلا في بابه، ثم أطلق مجازا على نظر القلب لتعلق النظر بمقدمات أولية وحسية، ومن المقدمات الحسية النظر العيني فسمي النظر القلبي نظرا من باب تسمية الشيء باسم متعلقه، وهو ضرب من ضروب المجاز، ثم لما كان النظر القلبي ملزوما للتأمل وإعمال الفكر، أطلق على كل تأمل نظرٌ من باب تسمية الشيء باسم مسببه، وهذا النوع من النظر يورث العلم النظري كما سيأتي بيانه في محله تفصيلا، والله أعلم وهذا كله من باب التخريج.

وفي عرف المناطقة:

  • قال المختار ولد بونة في درر الأصول:

النظر الفكر الموصل إلى ***ما كان مطلوبا إذا ما جهلا

من علم أو ظن ………. *** …………………………

[3]  قال شيخنا محمد سالم ولد محمد عالي ولد عبد الودود رحمه الله (ت 2009): تسميته بأحسن عارضيه.

[4]  جعل بعض الأئمة العلم النظري هو عين العلم المكتسب والعلم الضروري قسيمه في مسمى العلم المطلق عند المخلوقين، وهذا خطأ منهم رحمهم الله، لأن العلم بالقسمة الصحيحة إما حضوري أو حصولي، والحضوري العلم الفطري وصفة الاكتساب فيه عدمية، والحصولي هو العلم المكتسب، والاكتساب إما أن يكون فيه التشكيك والتشبيه وصفا عدميا أو من باب الملكة، فالأول العلم الضروري، والثاني العلم النظري.

[5] ويسمى العلم الذاتي، ولنا أن نشبهه بالبرمجة التي يجعلها المختصون على الأجهزة،  والتي لا نفع يرجى منها  إلا بها.

Comments are closed.